الحياة تستحق أن تُعاش- أحيوا شغفكم وتجاوزوا الكآبة
المؤلف: منى العتيبي11.12.2025

في غمرة الحياة اليومية، ألتقي بجموعٍ غفيرة من الناس، منهم من أعرفهم حق المعرفة، ومنهم من يمرون في دربي مرور الكرام. ومع ذلك، أستطيع أن أقرأ على وجوههم قصة "الحياة" ببؤسها الظاهر. أراها شاحبة، كأنها على أعتاب لحظة الوداع الأخير، مهملة، وكأنها تعيش على هامش الوجود، بطيئة، تتمدد في رتابة مملة كالاستلقاء على نعش الانتظار، حزينة، كأنها استنفدت قواها في التلبية والتوسل المستمر.
كل هذه الملامح أدركها جيدًا، لكن ما يعجزني فهمه هو: كيف سمح هؤلاء لأنفسهم بتشييد أعشاش حياتهم على أكتاف الكآبة والوهم؟ كيف غاب عنهم أن الحياة أسمى من أن تُعاش بتلك الطريقة؟ كيف لم ينتبهوا إلى كنوز الحياة الكامنة في متناول أيديهم، لينعموا بها ويعيشوا ببساطة؟ أن يختاروا مساراتهم ويقرروا مصائرهم، وأن يخلقوا الحياة في محيطهم الخاص؟
في زماننا هذا، ما إن تصادف شخصًا حتى تجده منهمكًا في الحديث عن الاكتئاب، وفقدان الشغف، والعزلة، وغيرها من المصطلحات التي تسلب الحياة رونقها وبهجتها. وأرى أن هذا كله ناتج عن التأثير السلبي الذي تتسبب به الرسائل المتدفقة من منصات التواصل الاجتماعي. فقد أصبح الحديث عن الاكتئاب شائعًا ومبالغًا فيه، حتى بات كل من يمر بضائقة نفسية بسيطة يُصنف فورًا كمريض اكتئاب!
لذا؛ أوجه ندائي إلى كل من يتساقط الحزن من بين كلماته، ويتسرب الهم إلى روحه، وتخبو الألوان في عينيه: التفتوا إلى الحياة بكل ما فيها من جمال، انظروا إلى مختلف الاتجاهات، تخلصوا من ثياب اليأس الثقيلة، استمتعوا بالتفاصيل الصغيرة والجميلة التي تبعث البهجة، أحيوا الحياة في بيوتكم، وفي طرقاتكم، في كسرة الخبز التي تقتاتون بها، وفي أغنية عابرة تلامس قلوبكم.
لا تسألوا: كيف نفعل ذلك؟ ومتى سيتحقق؟ وأين نجد السعادة؟ ولماذا نحن تحديدًا؟ ولا تبحثوا عن إجابات زائفة في أبواب الدجل والشعوذة. فقط عيشوا الحياة بكل ما فيها من بساطة وعفوية. تيقنوا أن هناك دائمًا شيئًا ما يستحق أن نعيش لأجله. لا تجعلوا بصيص الأمل مجرد ضوء خافت في نهاية النفق المظلم، بل أشعلوا النور في بداية النفق، انطلقوا وتحركوا، وكونوا أحياء بكل ما تحمل الكلمة من معنى؛ لأنها الحياة، وهي كل ما نملك.
